Menu

ثماني ساعات في جنين  هزت الكيان الصهيوني  بعنف غير مسبوق

عليان عليان

ثماني ساعات هزت الكيان الصهيوني، ودفعته بمختلف مستوياته الأمنية والإعلامية لأن يتحدث عن هزيمته النكراء ، دون أن يترك للمحللين والمراقبين العرب والأجانب،  فرصة الحديث عن الخسائر البشرية والمادية التي ألمت بجنوده  وآلياته ، حين راح المحللون العسكريون في مختلف الصحف الصهيونية ، يعترفون  بأن جنين  باتت تحاكي جنوب لبنان في كمائنها وانتصاراتها ، وأن ما حدث استثنائي وأليم جداً ، وأن صور الآليات المحطمة والجنود الجرحى تذكّر تماماً بالحزام الأمني والأيام الأليمة في جنوب لبنان ،عندما كان يجري استدعاء مروحية قتالية من أجل تقديم المساعدة وإطلاق النار من أجل الإخلاء، فيما كانت كل آلية تصل إلى هناك تتعرّض لنيران غزيرة ، ووصلت وسائل إعلام العدو إلى استنتاج محدد : "أن  الدخول المقبل إلى جنين لن يكون سهلاً في المرات القادمة  لأن كمين جنين اليوم يذكّر بنمط عمل حزب الله في لبنان".   
لقد توقع العدو بحملته العسكرية الواسعة على جنين ، التي شاركت فيها قوات الجيش وحرس الحدود ، ومقاتلو ياماس (وحدة خاصة)، بأنها كسابقاتها  تحقق أهدافها في اعتقال بعض  المطلوبين رغم المواجهات التي تحصل مع رجال المقاومة الفلسطينية ، في أزقة وأحياء المدينة والمخيم ، لكن  خابت توقعات العدو حين  وجد قواته تقع  في مصيدة الكمائن المعدة بحرفية عسكرية  من قبل كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس ، لتصيب جنوده وآلياته في مقتل حين دمرت عبوة ناسفة وزنها  (40) كيلو غرام ناقلة جند مصفحة وأعطبت العديد من الآليات ، ما  خلق حالة من القلق والهلع والتذمر في صفوف قوات الاحتلال، حيث اعترف العدو بإصابة سبعة من جنوده  ، لكن الرقم من واقع المعركة أكبر بكثير  ،  حيث تتستر الرقابة العسكرية على خسائر قوات العدو  ،لأسباب تتصل بالحالة المعنوية لجيش العدو وبالجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني 
 لقد استمرت المعركة ثمان ساعات متواصلة ، في كافة أرجاء المخيم ، صب خلالها رجال المقاومة  نار أسلحتهم على قوات الاحتلال في أزقة المخيم ،  وتعذر  على قوات الاحتلال الانسحاب بسهولة جراء مسلسل الكمائن المنصوبة لهم ، وتعذر سحب الآليات المحطمة ما دفع العدو لاستخدام طائرة الأباتشي لإنقاذ الجرحى ، ولسحب الآليات المحطمة ، وما أربك قوات الاحتلال أن رجال المقاومة طاردوا الآليات المنسحبة بالعبوات الناسفة محلية الصنع.
  وكمين جنين يذكرنا بالمصيدة التي نصبها رجال المقاومة لدبابات العدو وجنوده في وادي حجير في جنوب لبنان إبان حرب  تموز 2006  ، ويذكر العدو بنمط عمليات حزب الله في جنوب لبنان، وباتت قيادة العدو على قناعة  تامة  بأن شعار وحدة الساحات  انتقل من دائرة النظرية إلى دائرة التطبيق ، ليس في سياق الضفة الغربية وقطاع غزة ، بل على مستوى الإقليم والساحات المجاورة لفلسطين، وأصبح بإمكان   فصائل المقاومة الاستفادة من بعضها البعض في مجال الخبرات العسكرية والتكتيكات القتالية في مواجهة العدو المشترك. 
ما يقلق العدو بعد انتهاء غزوته الفاشلة  البحث عن أجوبة للأسئلة التي طرحتها معركة جنين الأخيرة ، وأبرزها :
1-هل العبوة الناسفة  التي دمرت آليات العدو صناعة محلية ؟ أم جرى تهريبها من جنوب لبنان أو من بلدان مجاورة للضفة الفلسطينية ؟ وفي ذاكرة  للعدو أن مقاوماً لبنانيا تمكن قبل فترة وجيزة من الوصول إلى الجليل وتفجير عبوة ناسفة بوزن (50) كيلو غرام في مفرق مجدو  قبل أن يرتقي شهيداً.
2- كيف  علم رجال المقاومة بالهجوم الإسرائيلي مسبقاً ، وبخط سيره ، ما مكنهم من نصب كمين العبوات الناسفة في  المكان المحدد  ؟ ما يعني أن المقاومة باتت تملك قدرة على رصد الهجوم قبل وقوعه وهذا ما يقلق العدو.
3- لماذا لم يتمكن التنسيق الأمني الذي تضطلع به سلطة أوسلو ، من رصد الكمين وإبلاغ الإسرائيليين عنه مسبقاً ؟ وهل أن رجال الأمن الفلسطينيين في جنين ونابلس باتو يتمردون على أوامر قيادتهم  وينحازون لفصائل المقاومة؟ 
 لقد أرادت حكومة العدو الأكثر فاشية  من هذه العملية العسكرية  تحقيق هدفين هما:
أولاً :أن ترمم قدرة ردعها   في الضفة الغربية وفي جنين ونابلس على وجه التحديد ، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً ، على النحو الذي فشلت فيه في معركة ثأر الأحرار
ثانياً : أن تهرب من الأزمة الداخلية المستفحلة  الناجمة عن إصرار نتنياهو على تشريع تغييرات في المنظوم  القضائية ، لكن هذا الهروب لم يجد  نفعاً ، فمثلما تندرت  المعارضة الإسرائيلية على فشله في معركة " ثأر الأحرار " ها هي تتندر الآن على فشله  في معركة جنين.
 وأخيراً : برهنت المعركة الأخيرة ، أن جنين  عاصمة الثورة بامتياز ، وأنها عصية على الكسر رغم  ارتقاء أعداد كبيرة من الشهداء ، وأنها قادرة صنع ملحمة " جنينجراد"  جديدة على النحو الذي صنعته في هزيمتها للعدو عام 2002.